مخاض لبنان الجديد.. في غرفة الإنعاش سيُبنى على الشيء مقتضاه
يعيش لبنان اليوم مرحلة مفصلية من تاريخه، بحيث لا يمكن الاستهانة بأي تحرّك أو حدث أو توجيه، دون وضعه في خانة “تحديد مستقبل الوطن”.
المخاض الجديد بدأ منذ تحركات “١٧ تشرين”، حيث كان واضحًا أن قرارًا ما قد اتُخذ من أجل غاية ما في نفوس البعض؛ ومنذ “١٧ تشرين” حتى يومنا هذا، كانت جميع مؤشرات الحرب الناعمة قد دخلت اللعبة.
قبل الغوص في عمق التركيبة اللبنانية، لا بدّ والاعتراف بأن التعدّدية اللبنانية لم تسمح بمواجهة الأزمة بأحادية القرار؛ وبالرغم من أنَّ الفريق السياسي الذي اتّخذ من حكومة حسان دياب حصنًا سياسيًا له، عليه الإعتراف بأنّه لم يستطع حتى الصمود في وجه الهجمة التي حيكت للبنان. ومن الجدير بالذكر أن الآداء الجيّد كان نسبيًا، كما أن الفساد الذي نهش جثّة الوطن كان نسبيًا أيضًا لدى بعض القوى السياسية، لذلك كان واضحًا أن التباين بين الفريق الواحد لم ينتج حلًا.
قد يكون واقع لبنان السياسي فرض نفسه بالتزامن مع أزمة كورونا، لكن تزامن الأزمات مع الأجواء الإقليمية المستحدثة جعل من لبنان اليوم ساحة لجميع أشكال الصراع، ودخلنا مخاضًا جديدًا يجب التوقف عنده لأنّه يشكّل حيزًا مهمًا في تحديد مستقبل لبنان.
هذا الترابط بين الداخل والخارج يجعل من مخاض لبنان الجديد عبارة عن نتيجة ما سيحدث في الخارج، خصوصًا أن بعض أطراف الداخل أثبتوا عدم قدرتهم على التفاهم، وهنا أعني رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهورية، في وقت تلعب بعض القوى المحلية لعبة مواجهة “حزب الله” أمميًا تحت ذريعة الحياد والتحيِّد، لتلتقي مع أجواء التطبيع في المنطقة، بينما تبقى هناك شريحة كبيرة من اللبنانيين لا تسمح أبدًا بأي شكل من أشكال التطبيع مهما حصلت تباينات بينها وبين “حزب الله”، وكل ذلك بالتزامن مع المناداة الأمريكية للإيرانيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
كل ما تم ذكره أعلاه يُشكل عوامل المخاض الجديد؛ في المقابل، سيُقرّر سقف النتائج المحرّك الرئيسي الموجود في الخارج بالتزامن مع صمود الأقوياء في الداخل. وللبنان تجارب متعدّدة مع هكذا معارك، إذ قد تكون مرحلة ما بعد العام ٢٠٠٥ مليئة بهذه التجارب، ولكن من المؤكّد أنه لا يوجد تجربة شبيهة بواقعنا الحالي.
لبنان الجديد بات في غرفة الولادة اليوم والمخاض قد يأخذ بعض الوقت، حيث قد يشهد سقوطًا سياسيًا وقد يشهد كذلك ثبات موقف وكلمة، كما أنّه قد يكون مقدمة لتحديد مرحلة ما بعد عهد ميشال عون. لكن الأخطر من كل هذا، هو أن نشهد في ذروة هذا المخاض انفجارًا أمنيًا معقّدًا للغاية، الأمر الذي يحوّل لبنان من غرفة المعاينة إلى الإنعاش، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
زكريا حمودان